الأخبار

خلال خطبة صلاة الاستسقاء..

السديس : "اللّهم إنَّا لِفَضْلك مُجْتمعون، ولِسُقْيَاك رَاجُون، وبين يَدَي عِزَّتك وجلالِك خَاضِعون"

السديس : اللّهم إنَّا لِفَضْلك مُجْتمعون، ولِسُقْيَاك رَاجُون، وبين يَدَي عِزَّتك وجلالِك خَاضِعون
أخبارنا :  

ألقى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس اليوم خطبة صلاة الاستسقاء في المسجد الحرام، وذلك بحضور مستشار خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل - حفظه الله- وقيادات الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.

وبدأ فضيلة الشيخ السديس الخطبة بالحمد والاستغفار وقال: يا عباد الله اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، وتوبوا إليه واستغفروه، وتضرعوا إليه واسألوه، فمن لنا إذا ذَبُلَتْ الأشجار، وجَفَّتْ الأنهار، وقَلَّتْ الأمطار، إلا رحمات العزيز الغفار. ﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾.

أيها المسلمون: ها نحن خرجنا شاكين متضرِّعين لربنا جدب ديارنا وتأخر المطر عن إبّان زمانه عنا، وإنَّ الجَدْبَ وقِلة المطر -يا عباد الله - إنباضُ إنذارٍ وسُنَّةُ إعذار، ولقد شَرَعَ لنا رَبُّ العالمينَ سُبْحَانه أن نلجأ إليه في الشدائد والكُرُبَات، كما نلجأ إليه في الرَّخَاء والرَّحَمَات، ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ وهل أوقع النّاس في البلاء وسَاقهم إلى الشدَّة والعَنَاء، إلاَّ التفريط في تطبيق شَرائع الإسلام، وهَدْيِ السُّنَّة والقرآن، وإنهما –وايم الله- لَبَحْرَان يَخْرُجُ مِنْهما اللُّؤلؤ والمرجان، ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.

أيها المؤمنون: إن ما عم كثيرا من الأرجاء، وغدا في المجتمعات من الابتلاءات والأرزاء، لا منجي منه إلا لزوم التوبة والاستغفار للعزيز الغفار، قال تعالى عن نبيّه نوحٍ عليه السلام:﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً~ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً~وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً﴾، وقال سبحانه عن نبيّه هود عليه السلام:﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ﴾، وقال تعالى:﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾، وقال جلَّ وعلا:﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، ألا فاتقوا الله عباد الله، واستمطروا رحمة ربكم باجتناب الظّلم والفساد، والتساهل في حقوق العباد، فإنَّ مَصْرَعه وخيم وبيل، وجزاء صاحِبه التنكيل، عززوا مجالات القدوة والنزاهة، واحذروا الفساد والتعدِّي على الأموال الخاصة والعامة، وانتزاعها بالبُهت والاحتيال، ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، راقبوا الله في خَلْقِه، وعامِلوهم بما تحِبُّون أن يعاملكم به مِنْ رِفْقِه. أَعْلُوا شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وارفعوا شِعَارَ الفضيلة والتجافي عن الرذيلة، والحفاظ على العفة والحياء والحجاب والاحتشام، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، ولا تبخسوا المكاييل والموازين، ففي الحديث الصحيح: "مامَنَعَ قَوْمٌ زكاةَ أموالهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماء، ولولا البهائم لم يُمْطَروا" أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم بسند صحيح، فكُفُّوا –عباد الله- عنِ الحرام جوَارِحكم، وتسامحوا وتراحموا وكونوا عباد الله إخوانًا، وطهِّروا قُلوبَكم من الغِلِّ والشحناء، والحسد والبغضاء، فإن القلوب مَحَلَّ نَظَر المولى الكريم، فلايَرَيَنَّ منكم إلاَّ القلب السليم ولا يكُن منكم إلا اللَّفْظُ المهَذّب الكريم.

أيها المستسقون المباركون: الاستسقاء سنة نبينا المصطفى عليه أفضل صلاة وأزكى سلام فعن أم المؤمنين عائشة قالت: "شكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المطر فأمر بمنبر فَوُضِعَ له في المُصَلَّى ووعد الناس يوما يخرجون فيه، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حَاجِبُ الشمس، فقعد على المنبر فَكَبَّر وحمدالله، ثم قال: "إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إِبَّانِ زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم"، ولقد تمسك الصحابة الكرام بهذه السنة النبوية الشريفة، فروى البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فَيُسْقَوْن".

أمة الخير والبركة: لا تيأسوا ولا تقنطوا، وأبشروا واستبشروا، واعلموا أنكم تدعون مولًى كريماً وربًّا رحيمًا يستحْيِّ من عباده إذا رفعوا أيديهم إليه أن يردها صفرًا، قال قتادة ~: ذُكِرَ لنا أن رجلا قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين، قُحط المطر وقَنَط الناس؟ فقال عمرُ : مُطرتم، ثم قرأ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ﴾. قال الإمام البغوي ~: قوله: "وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ " أي: يبسط مطره، فالمطر رحمة من رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما. قال سبحانه: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾


أمة الإسلام: وإذا كان العالم اليوم يعيش ويترقب تحديا جديدا يتمثل في نقص المياه ، ويطالب المهتمون بتحقيق الأمن المائي؛ فإن من عظيم البشريات ما تقوم به بلادنا -بلاد الحرمين الشريفين حرسهاالله وأدام خيرها مدرارا – من إحياء هذه السُّنة القويمة في الاستسقاء والدعاء، مع الأخذ بالأسباب الشرعية والمعاصرة في توفير المياه عبر وسائل عديدة منها: تحلية مياه البحر عالية الجودة، وإيقاف الهدر المائي، وتخفيض الاستهلاك الزراعي بالوسائل الحديثة، وتَبَنِّي الاستراتيجيات الوطنية للمياه؛ التي تعمل على تحسين إدارة الطلب على المياه، واستخدامها وترشيدها، مما يعزز الأمن المائي ، ويؤدي إلى استدامة مائية أكبر في هذه البلاد المباركة.

اللّهم إنَّا لِفَضْلك مُجْتمعون، ولِسُقْيَاك رَاجُون، وبين يَدَي عِزَّتك وجلالِك خَاضِعون، وإليك يا ذا الرَّحمة التي وسعت كُلَّ شيء ضارعون، ولِخزائن غيثك وجودك مستفتحون، ولِمَا فَسَدَ من أعْمَالِنا بِعَونِك وتوفيقك مُسْتَصْلِحون، نعوذ بك من الأنفس البِطاءِ عن طاعتك السِّراعِ إلى معصيتك، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، على الله توكلنا، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيث، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، وأصلح لنا شأننا كله.

معاشر المستغيثين : ألِظُّوا بالدّعاء بُكْرة وعَشِيّة، ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾، فبالدعاء تنكشف عنكم كل مصيبة وبلية، فاجْعَلُوه ديدنكم وهِجِّيراكُم، ودأبكم ومأواكم، تُغَاثُوا وتَنْعَمُوا، وتَتَقَشّعْ بلواكم وتَغْنَمُوا، مع تحقق الأسباب والدوافع، وانتفاء العوائق والموانع.

عباد الله: لقد كان هَدْيُ نبيكم المصطفى ورسولكم المجتبى بعد الاستغاثة والاستسقاء قلبَ الرداء، فاقتفوا هديه بالاقتداء والاهتداء، وتفاؤلا أن يقلب الله حالكم من الضِّيق والعناء، إلى الخصب والهناء والإمْرَاع والرخاء.
هذا وصلوا وسلموا على المبعوث بالشريعة الغراء: توسطا واعتدالا، وسموا وكمالا، المخصوص بالقدر العلي مهابة وجلالا، خير من استسقى ربه، فانهمر الغيث وتتالى.

مواضيع قد تهمك