الأخبار

د . حازم قشوع : بيت الحكمة

د . حازم قشوع : بيت الحكمة
أخبارنا :  

د . حازم قشوع :


بيت الحكمة هو خزانة المعرفة ومكان كل العلوم البشرية الذي كان قد شيده هارون الرشيد في بغداد، وجعله المأمون مؤسسة معرفية تقوم على ترجمة كل حضارة التاريخ البشري الى العربية من اكثر من سبعمائة لغة، لتبدأ الحضارة العربية انطلاقتها مما توصلت اليه البشرية من علوم معرفية، فتعمل على تصحيح الاخطاء في الكتب المجموعة ضمن دلالات اكاديمية تستند لهوامش توثيق وتقوم على جمع العلوم المعرفية، لتكون ارضية علمية يمكن البناء عليها في تحقيق المفردة المعرفية الحاضرة وصياغة الجملة العلمية القادمة.
بيت الحكمة هو من كان وراء بروز علوم الكندي وادبيات الجاحظ والعلوم الرياضية للخوارزمي، الى ان تم رمي هذه الكتب والمؤلفات العلمية والموسوعات المعرفية في نهر دجلة عندما اقتحم المغول بغداد بطريقة همجية، ولم يقوموا بتغيير نظام سياسي او استعمار ارض وشعب بل قاموا بإحراق الحضارة المعرفية والعلمية التي كانت في خزائن بيت الحكمة، فكان ان تراجع دور الامة وتراجعت معها العلوم البشرية الى ما قبل بدايات بيت الحكمة وهو ما اثر على مسيرة تراكم الانجاز الانسانية.
فالعلوم يجب ان ينظر لها كعنوان سيادي بقدر ما يجب ان تكون ملكا انسانيا للبشرية جمعاء، وهذا ما يجب ان يكون عليه الحال، ومناخات الحرب الباردة بدأت بالتكوين وتشكيل غيومها، واخذت تستهدف العلوم المعرفية التي من المفترض ان تمتلكها الانسانية وليس هذه الدولة او تلك، فان الدفاع عن العلوم هو دفاع عن الوجود الانساني وقيمه التي باتت تهدد من هذا الطرف او من ذاك.
فالتجاذبات القطبية هي تجاذبات أزلية وهي موجودة من اصل التكوين، وهى منسجمة مع الطبيعة القطبية للكرة الارضية لحفظ ميزان حراكها وتحركاتها، لكنها في ذات السياق يجب ان لا تكون على حساب العلوم البشرية والعلمية؛ فهي علوم لا تمثل اطرا سيادية يستوجب استهدافها بقدر ما تحمله من معلومات يستفيد منها الحميع لتعظيم الجوانب المعرفية لكل طالب علم او متوخ معلومة، وهذا ما يجب على الجميع مراعاته ليأتي ذلك من على ارضية اخلاقيات التعامل الانساني.
جوجل الذى بات يشكل عنوان بيت الحكمة العالمي والانساني؛ لما يمتلكه من مرجعيات علمية وبرامج معرفية تسهم في بناء حركة التواصل المعرفي، والوصل الانساني اصبح بحاجة الى تحصين اكثر واكبر، فلقد اخذ يشكل احد اهم المرجعيات العلمية والمعرفية والمعلوماتية في التاريخ الحديث، لا شك انها بحاجه وبرامجها الى عوامل تحصين تعزز من حالة المنعة لمحتواها وحواضنها من اي استهدافات يمكن ان تطال هذه المرجعية المعرفية التي سهلت على الانسان الحاضر آليه الحصول على المعرفة والعلوم بطريقة سهلة غير مكلفة ويسيرة.
ان تحصين هذه المرجعية من ايه اختراقات اصبح واجبا عالميا وليس فقط احد متطلبات العمل لشركه او لدوله مهما كان وزنها حتى لا تبقى جوجل واخواتها عرضه لاختراقات تأتي من هنا او ان تتشكل من هنالك؛ فالتدمير مسألة يمكن تحقيقها بسهولة، لكن البناء حالة صعبة ليس من السهولة تحقيقها او العودة للعلوم التي كانت قد اسست للوصول اليها، ولعل تاريخ بيت الحكمة خير شاهد على ذلك اذا ما نظرنا للبشرية وعلومها كيف كانت بعده ترزخ في عصر من الظلمة والظلمات.
عنوان بيت الحكمة الانساني لا بد ان يكون حاضرا في اذهان القيادات المتنافسة التي يجب ان لا تحمل فقط سياساتها كيفية السيطرة وفرض النفوذ بقدر ما يجب ان تتحمل مسؤولية البشرية وعلومها الموصولة التي هي امانة في اعناق مسؤوليها، وهذا ما يجب المحافظة عليه ايضا في شبكات الربط الموصلة للانترنت، كما بقية البرامج التقتيه فى شبكات التواصل.
الامر الذى يتطلب تشكيل مرجعية اممية للعالم الافتراضي تشكل نظام الضوابط للموازين وتحفظ للجميع حدود التداخل وخطوطه الحمراء، وهو ما يستلزم تشكليه وتكونه على ان لا تكون الدول الكبرى حاضنته حتى يعاد لمهد الحضارات مكانتها ولبيت الحكمة وجوده، فان الجغرافيا السياسية الانسب لتشكيل هذه المنظومة الحيادية من الافضل ان تكون في الاردن لاعتبارات عديدة يمكن البناء عليها في حفظ نظام الضوابط والموازين للعالم الافتراضي وهيئاته. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك