الأخبار

الرواشدة : بانتظار «ليلة القدر»

الرواشدة : بانتظار «ليلة القدر»
أخبارنا :  

حسين الرواشدة :

اشعر، هذه الأيام، بان ثمة حالة من الرتابة تدفعني الى مواصلة «الصوم» السياسي، عشرات القضايا والمشكلات يمكن ان اعلّق عليها، لكن ما جدوى ذلك؟ سؤال يحيرني دائما، وربما يحيّر غيري ممن ابتلوا بوظيفة الكتابة، لكننا - غالبا - ما نهرب من الإجابة، بعضنا يتصور ان المهمة وظيفية بحتة، وبعضنا يراها وطنية بامتياز، آخرون يبحثون عن «الثواب» عند الله تعالى، غيرهم لا يريد ان يستسلم للإحباط واليأس، يحاول ويحاول فلربما يصل الصوت ويؤثر، وفي كل الأحوال لا تتوقف حركة الحياة.. ولا ينتظر قطارها السريع من يتخلف عن مواعيد الانطلاق.

حالة «الرتابة» تذكرني دائما بالنهاية: منذ ان يحتضر الانسان وحتى تنتهي ايام العزاء، تتكرر فصول الرتابة وطقوسها، منذ ان يبدأ الخريف وحتى تهطل اول قطرة مطر، تلبد الاجواء «بالرتابة» وتنعكس على نفسية الناس وسلوكهم، الرتابة - ايضا - تذكرني بالحرارة المصحوبة بالرطوبة، حالة من اللزوجة الكريهة، يعرفها الذين يقطنون في البلاد ذات المناخ الاستوائي والقريبون من البحار الدافئة، وتذكرني - ايضا - بالجمود والكسل والنعاس والأرق، حالة من الهروب الى نوم غير ممكن، ويقظة مزعجة، وانتظار مشوب بالقلق.. الرتابة تقتل ببطء، وتستهزىء بشماتة، وتتحالف مع الفراغ.

سأحاول منذ الليلة ان اهرب من «الرتابة» الى احياء ليالي رمضان انتظارا لليلة القدر، اريد ان أتحرر من كل شيء: الجسد المنهك بحسابات الطين، الخوف مما يخبئه الغد من مفاجآت، الاستغراق في هذه النية، الكلام الفارغ من كل شيء وعن كل شيء، حالة «اللزوجة» التي نشعر بها في الربيع، اريد ان أتحرر ايضا من ذنوبي واخطائي.. هذه فرصة للمراجعة والمحاسبة.. أتذكر الله تعالى فيهون عليّ كل شيء.. وأحبه من اعماقي فيحبني تعالى ويرفه عني.

أتصور ان اخرين - غيري - يفكرون بالهروب من «الرتابة» كيف؟ لا ادري، لكن ماذا لو ذهبنا جميعا منذ بدايات رمضان للاستعداد لاحياء ليلة القدر.. الحكومة - مثلا - يمكن ان تستعيد في هذه الليلة المباركة حراكها وحيويتها، يمكن ان تطمئن الى مستقبلها، ان تراجع ادائها، ان تتحرر من همومها واثقالها، ان تتواصل مع الناس، فرصة ثمينة للمسؤول لكي يكسر حاجز الانتظار والخوف على المنصب، والانقطاع عن الناس، لكي يقول: يا الله.. في ليلة يستجاب فيها الدعاء.. وتكون الأرض اقرب ما تكون من السماء.

ليلة واحدة يمكن ان تعوضنا عن خسارات سنين طويلة، يمكن ان تطهرنا من أخطائنا المتراكمة، يمكن ان تقربنا من الله ومن الناس، يمكن ان تطيل اعمارنا وتبارك افعالنا، يمكن ان تعيد الينا نشاطنا وثقتنا بأنفسنا، تذكرنا بإخواننا الفقراء والضعفاء والمرضى والمفقودين، وبعد ذلك تحررنا من احساسنا «بالرتابة» والكسل، ومن حسابات الدنيا، ومن صالونات النميمة السياسية، ومن التعب.. ما أصعب ان يشعر الانسان بالتعب؟ ــ الدستور

مواضيع قد تهمك