رنا حداد تكتب : حين يظن الإنسان أنه بطل الفيلم الوحيد

أقود سيارتي بسرعة معينة، حينها أرى من يسير أبطأ مني متقاعساً، ومن يمرّ بجانبي أسرع سائقًا متهوراً.
دون وعي أفكر أنني المثالية، أقصد أن سرعتي هي المثالية. وأنها المعيار الذي يجب أن يسير عليه الجميع.
دون ادراك لهذا التمحور حول الذات أسقط من تفكيري أن لكل سائق أسبابه، وسرعته، ووجهته. تماماً كالحياة. وكما الناس فيها. احاول في المرة التالية أن أضبط غروري خلف المقود وألا أكون إلا مسؤولة عن عالمي انا وسرعتي أنا.
لك ان تجرب معي، أن تفكر ألا أحد يحسدك كما تتخيل، ولا الجميع متآمر ضدك كما توحي لك مخيلتك. أحياناً نعلق فشلنا على الآخرين: «فلان أصابني بعين»، أو «فلانة تغار مني». لكن الحقيقة أكثر بساطة وأشد قسوة: ربما أخطأت، ربما قصّرت، وربما لم يكن الوقت مناسباً. ربما لست أنت من تعتقد أنه أنت .
هذه أمور لا تنتقص من قدرك، بل تعني فقط أن الإنسان يُخطئ، ويتعلم، ثم يمضي.
ولأجل راحتك أنت لا تكن ممن يعتقدون أن الكون بأكمله يُسلّط أضواءه عليهم. هؤلاء يرون الحياة كمسرح كبير، وهم فيها البطل الأوحد. يعمدون إلى تفسير كل سلوك من الآخرين على أنه موجه إليهم، ويحمّلون من حولهم مسؤولية إخفاقاتهم، ويعتقدون أن حياتهم لها وزن ثقيل في عقول الناس وأحاديثهم.
هذه هي «عقلية التمركز حول الذات»، وهي من أكثر أنماط التفكير ضررًا وخداعًا للإنسان.فمن يحمل هذه العقلية يعتقد أن الآخرين يلاحظون كل ما يفعله، يحكمون عليه، يتحدثون عنه، ويقيسون نجاحاتهم أو إخفاقاتهم بناءً على حياته.
لكن، الواقع مختلف تمامًا. فأغلب الناس دون ان يدري هو، مشغولون بأنفسهم، غارقون في تحدياتهم، ومشاكلهم وقوت يومهم، ولا يملكون الوقت الكافي للإنشغال بتفاصيل حياة الآخرين.
هذا الوهم ، متعب ويُجهد الإنسان نفسيًا، الأصعب أن هذا يترافق أيضًا مع تفكير أكثر تدميرًا، «أنا الضحية». ومن يعيش بهذه الفكرة يرى أن كل ما يصيبه من ألم أو فشل، سببه خارجي. ظروفه، أهله، مدراؤه، شريكه، الدولة، الزمن.
الإنسان الذي يعيش بهذه العقلية لا يؤذي نفسه فقط، بل يؤثر سلبيًا على بيئته. يكون دائم الشكوى، يطلب دعمًا عاطفيًا مستمرًا دون وعي، ويتوقع من الجميع أن يفهموه ويهتموا بتفاصيله، دون أن يبذل جهدًا مماثلًا لفهمهم أو دعمهم. يصبح وجوده ثقيلًا على الآخرين، ويُشعرهم بالعجز أو الذنب حين لا يستطيعون إنقاذه من نفسه.
النجاة من هذه العقلية لا تحتاج معجزة، بل تحتاج شجاعة. شجاعة النظر إلى الداخل والإعتراف: نعم، أنا المسؤول. نعم، أنا من قررت، وأنا من تأخرت، وأنا من انتظرت. وهنا يبدأ التحول. عندما يدرك الإنسان أن نظرة الناس لا تساوي أكثر من لحظة عابرة، وأنه وحده من يستطيع أن يغيّر مصيره، ينكسر الوهم ويبدأ النور.
ليس هناك ما هو أثقل من عقل ممتلئ بأوهام المراقبة، والتقييم، واللوم. الحياة تصبح أخف حين نعيشها لأنفسنا، لا تحت أعين متخيلة. حين نتحمل مسؤولية اختياراتنا، نحرر أنفسنا من سجن الآخرين، ونبدأ أخيرًا رحلة الشفاء. ــ الدستور