صالح الراشد يكتب : ماذا يُخفي الإعلام في سوريا ؟
تتنقل القنوات الإخبارية في سوريا بالمشاهدين العرب من محافظة لأخرى ومن مدينة لمدينة، ومن سجن لمعتقل دون أن يجد أي من المشاهدين ريح الحقيقة لما يجري في أقدم عاصمة في التاريخ ولا يشاهد أحد مستقبلها، فنظام سوريا المقاومة والصمود والممانعة والمخادعة والقمع سقط بسرعة سباقات الرالي، دون أن يتحدث أحد عن السبب أو يتطرق لأدوار الدول الاقليمية والدولية في إضعاف سوريا قبل أن يكمل كيان الاحتلال المهمة ويدمر البنية العسكرية والعلمية، لنشعر ان كل ما جرى لم يكن وليد لحظته بل هو تخطيط ممنهج لتقديم سوريا كقربان للرغبات الاسرائيلية في السيطرة المُطلقة على المنطقة بعد الخلاص من حزب الله وإضعاف المقاومة الفلسطينية.
وأصيب الإعلام كعادته في القضايا الفاصلة والكُبرى بالخرس والشلل ليصبح غير قادر على سرد الحقائق كونها تتعارض مع الرغبة الأمريكية، مستعيداً ذات الدور في جريمة الربيع العربي وما خلفه من دمار في عديد الدول، ليمارس الإعلام التابع لسياسات خارجية ألعابه السحرية بإخفاء الحقائق المؤثرة على مستقبل الدول، ليكتفي بالتركيز على السجون وبالذات سجن صيدنايا لينقل الشعوب العربية من التفكير بمنطق العقل في البحث عما يدور في المنطقة وخطورة الدورين الاسرائيلي والتركي، إلى منطق القلب وذرف الدموع على ضحايا جرائم النظام السابق، وهنا يقوم الإعلام بإخفاء الحقائق المستقبلية التي قد تغير زاوية الرؤيا عند الشعوب، وتجعلها تُشاهد الصورة الحقيقية للعبث بالمستقبل العربي وضغط القوى الدولية والإقليمية على الدول العربية بصناعة الرعب والخوف من القادم المجهول، ويعتبر إخفاء إعمال العقل في هذه المرحلة غاية في الخطورة إذ يؤخر الدول عن التصدي للمخططات الاسرائيلية الغربية، ولا يعني هذا تناسي أو التقليل من حجم جرائم النظام السابق التي فاقت الخيال.
وهذه ليست الجريمة الأولى للإعلام العربي في تزوير الحقائق واختراع الأبطال وصناعة بطولات وهمية لهم لتحويلهم لأساطير خارقة، ثم تحويلهم لأصنام جديدة يحكمون البلاد بديكتاتورية مطلقة ويقوم الإعلام بسرد بطولاتهم لجعل الشعوب ترتعب منهم وتتغنى بأمجادهم، فالإعلام العربي ومنذ ولادة القنوات شبة المستقلة والتابعة لدول خارجية تحول لصانع للأحداث والمتحكم في فكر الشعوب لجعلها تتقبل ما لا تتقبله الشاطين، فتقبل دخول الاسرائيليين من بؤر الإعلام المأجور وتنظيرهم على الشعوب بالأخلاق والقيم الإنسانية رغم الجرائم المروعة التي يرتكبها الكيان، كما تحولت هذه المؤسسات لماكينات للدفاع عن منظمات محددة وتهاجم جهات أخرى دون أن يكون لديها بينة على ما تقول أو أدلة على خرافاتهم، ليكون الإعلام العربي إسمياً شريك في كل ما جرى في العراق وليبيا واليمن والسودان وسوريا.
لقد تعامل الإعلام العربي مع الثورات العربية على أنها انتصارات تاريخية رغم ان عديد الدول لا زالت تعاني جراء تبعاتها في ظل الاعتماد على شخصيات سياسية إدارية بكفاءة أقل ممن كانوا يعملون في زمن الحكومات الدكتاتورية ورغم ذلك تُصر عديد القنوات على جعلهم أبطال خارقون، كما حصل في ليبيا بعد نهاية حكم معمر القذافي واليمن عقب حقبة علي عبدالله صالح، حيث تعيش الدولتان في ظروف تعتبر الاصعب منذ نشأتهما، فيما لا تزال السودان تبحث عن يوم أمان بعد الخروج على عمر البشير، وبدرجة أقل تعاني مصر من تراجع قيمتها السياسية والاقتصادية بعد غياب نجم حسني مبارك، فيما كانت تونس الأقل تضرراً من ثورة الشعب على الرئيس زين العابدين بن علي، والغريب ان الإعلام التابع لأجندات خاصة ركز في حربه على تونس ومصر بدرجة أعلى من محاولاته للتصدي للخراب في بقية الدول، وكأنه يريد الدمار ويعمل على إعادة التجربة في الدول التي تنجو من براثنه ومكائده.
آخر الكلام:
قال عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم، وقال البعثيون: لو جاء كل العالم بارهابهم وجئنا بإرهاب سجن صيدنايا لغلبناهم، ولكن كم سجن صيدنايا في البلاد العربية وكم سجن صيدنايا يحبس العقول العربية المبدعة ويمنعها من البحث عن الحقيقة؟، وتذكروا غزة تُباد وتحولت لخبر ليس أساسي في الإعلام.